الدرس الثاني
شرح كتاب احكام الاحكام
درسه شيخنا واستاذنا الشيخ ابو ايوب العراقي (دامت بركاته)
ملاحظة العبارات التي بين الاقواس هي ما فهمناه من جناب الشيخ وما فهمته بحمد لله
2_ الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ } .
الشرح
تعريف الراوي
" أَبُو هُرَيْرَةَ " فِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ . وَأَشْهُرُهُ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ . أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَلَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ . وَتُوُفِّيَ - قَالَ خَلِيفَةُ : سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ . وَقَالَ الْهَيْثَمُ : سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : سَنَةَ تِسْعٍ
(الكلام ادناه شرح لكلمة القبول الواردة في الحديث الشريف )
الْكَلَامُ عَلَيْهِ (اي على الحديث) مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : " الْقَبُولُ " وَتَفْسِيرُ مَعْنَاهُ . قَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ بِانْتِفَاءِ الْقَبُولِ(اي قبول الصلاة ) عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ(اي صحى الصلاة ) ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } أَيْ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ (وهو وقت خروج الدم للبنت ). وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْحَدِيثِ : الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ . وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْقَبُولِ(اي قبول الصلاة) دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ (اي صحة الصلاة ). وَقَدْ حَرَّرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذَا(اي القبول والصحة ) بَحْثًا . ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقَبُولِ قَدْ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ مَعَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ ، كَالْعَبْدِ إذَا أَبَقَ(هرب او عصي مولاه ) لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ ، وَكَمَا وَرَدَ فِيمَنْ أَتَى عَرَّافًا(العراف هو المشعوذ او المنجم ) . وَفِي شَارِبِ الْخَمْرِ (وهو شرب المسكر ). فَإِذَا أُرِيدَ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مِنْ انْتِفَاءِ الْقَبُولِ . فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِ مَعْنَى الْقَبُولِ ، وَقَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ . يُقَالُ : قَبِلَ فُلَانٌ عُذْرَ فُلَانٍ : إذَا رَتَّبَ عَلَى عُذْرِهِ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ . وَهُوَ مَحْوُ الْجِنَايَةِ وَالذَّنْبِ . فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ(اي ثبت ماورد في تفسير معنى القبول ) فَيُقَالُ ، مَثَلًا فِي هَذَا الْمَكَانِ : الْغَرَضُ مِنْ الصَّلَاةِ : وُقُوعُهَا مُجْزِئَةً بِمُطَابَقَتِهَا لِلْأَمْرِ . فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْغَرَضُ (وهو وقوع الصلاة ): ثَبَتَ الْقَبُولُ (اي قبول الصلاة )، عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْسِيرِ . وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ . وَإِذَا انْتَفَى الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : انْتَفَتْ الصِّحَّةُ . وَرُبَّمَا قِيلَ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ : إنَّ " الْقَبُولَ " كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالدَّرَجَاتُ عَلَيْهَا . وَ " الْإِجْزَاءُ " كَوْنُهَا مُطَابِقَةً لِلْأَمْرِ وَالْمَعْنَيَانِ إذَا تَغَايَرَا ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَخَصُّ مِنْ الْآخَرِ : لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيِ الْأَعَمِّ . و " الْقَبُولُ " عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : أَخَصُّ مِنْ الصِّحَّةِ ، (فَإِنَّ كُلَّ مَقْبُولٍ صَحِيحٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ صَحِيحٍ مَقْبُولًا )(قاعدة شرعية ). وَهَذَا - إنْ نَفَعَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ عَنْهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ ، كَمَا حَكَيْنَا عَنْ الْأَقْدَمِينَ . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْقَبُولِ مِنْ لَوَازِمِ الصِّحَّةِ . فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَتْ ، فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ . وَيُحْتَاجُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ عَنْهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ إلَى تَأْوِيلٍ ، أَوْ تَخْرِيجِ جَوَابٍ . عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ " الْقَبُولَ " بِكَوْنِ الْعِبَادَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا ، أَوْ مَرْضِيَّةً ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ : أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْي الْقَبُولِ نَفْي الصِّحَّةِ : أَنْ يُقَالَ : الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي : أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا أُتِيَ بِهَا مُطَابِقَةً لِلْأَمْرِ كَانَتْ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ وَالْإِجْزَاءِ . وَالظَّوَاهِرُ فِي ذَلِكَ لَا تَنْحَصِرُ .
....................................................................................................
الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى : " الْحَدَثِ " فَقَدْ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ :
أَحَدُهَا : الْخَارِجُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (وهي البول والغائط والريح وغيرها ). وَيَقُولُونَ : الْأَحْدَاثُ كَذَا وَكَذَا . الثَّانِي: نَفْسُ خُرُوجِ ذَلِكَ الْخَارِج (اي البول والغائط والريح وغيرها تكون هي نفسها سببا للحدث )..(والفرق بين النقطة الاولى وهذه هو ان المحدث احدث بنفسه اي خرج من احد الاحداث اما الثاني فيكون نفس الخارج سببا في الحدث مثلا بالملامسة بيننا وبين الاحداث المذكورة )
الثَّالِثُ : الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْخُرُوجِ . وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ قَوْلُنَا " رَفَعْت الْحَدَثَ " وَ " نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ " فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَالْخُرُوجِ قَدْ وَقَعَ . وَمَا وَقَعَ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ ، بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ وَاقِعًا . وَأَمَّا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْخُرُوجِ : فَإِنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ بِهِ . وَمَدَّ غَايَتَهُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْمُكَلَّفِ الطَّهُورَ ، فَبِاسْتِعْمَالِهِ يَرْتَفِعُ الْمَنْعُ . فَيَصِحُّ قَوْلُنَا " رَفَعْت الْحَدَثَ " وَ " ارْتَفَعَ الْحَدَثُ " أَيْ ارْتَفَعَ الْمَنْعُ الَّذِي كَانَ مَمْدُودًا إلَى اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ . وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَقْوَى قَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ . ؛ لِأَنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَفِعَ : هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَخْصُوصَةِ ، وَذَلِكَ الْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ بِالتَّيَمُّمِ . فَالتَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ . غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ : أَنَّ رَفْعَهُ لِلْحَدَثِ مَخْصُوصٌ بِوَقْتٍ مَا(اي ان التيمم يرفع الحدث مؤقتا لحين توفر الماء فاذا توفر الماء وجب رفع الحدث بالماء ) ، أَوْ بِحَالَةٍ مَا . وَهِيَ عَدَمُ الْمَاءِ . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعٍ ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا . وَقَدْ كَانَ الْوُضُوءُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ ، عَلَى مَا حَكَوْهُ وَلَا نَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ . وَهُوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ . وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ انْتِهَائِهِ بِانْتِهَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ : أَنْ لَا يَكُونَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ . ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ . وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ ؛ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ : إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ . نَعَمْ هَهُنَا مَعْنًى رَابِعٌ ، يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ مُقَدَّرٌ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ . وَيُنْزِلُونَ ذَلِكَ الْحُكْمِيَّ مَنْزِلَةَ الْحِسِّيِّ فِي قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ . فَمَا نَقُولُ : إنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ - كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ - يُزِيلُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْحُكْمِيَّ . فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ الْحُكْمِيِّ . وَمَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ حُكْمًا بَاقٍ لَمْ يَزُلْ . وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ زَائِلٌ . فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَقُولُ : إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْحُكْمِيُّ الْمُقَدَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ زَائِلًا . وَحَاصِلُ هَذَا : أَنَّهُمْ أَبْدَوْا لِلْحَدَثِ مَعْنًى رَابِعًا ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَعَانِي . وَجَعَلُوهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ حُكْمًا ، كَالْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ ، وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الرَّابِعِ ، الَّذِي ادَّعَوْهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ، فَإِنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالْحَقِيقَةِ ، وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهَا ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ . وَأَقْرَبُ مَا يُذْكَرُ فِيهِ : أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ ، كَمَا يُقَالُ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُتَنَازَعٌ فِيهَا . فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ . وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ : لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ انْتِقَالُ مَانِعٍ إلَيْهِ . فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ " الْحَدَثَ " عَامًّا فِيمَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ(اي فيما يوجب الغسل او الوضوءاو رفع الحدث بصورة عامة ) ، فَإِذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ - أَعْنِي قَوْلَهُ { إذَا أَحْدَثَ } - جَمَعَ أَنْوَاعَ النَّوَاقِضِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ ، لَكِنْ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ فَسَّرَ الْحَدَثَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ - لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ - بِأَخَصَّ مِنْ هَذَا الِاصْطِلَاحِ ، وَهُوَ الرِّيحُ ، إمَّا بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِ صَوْتٍ ، فَقِيلَ لَهُ : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا الْحَدَثُ ؟ فَقَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ " وَلَعَلَّهُ قَامَتْ لَهُ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ(القرائن الحالية:هي ادلة او مرجحات للادلة ) اقْتَضَتْ هَذَا التَّخْصِيصَ . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى الْقَبُولَ مُمْتَدًّا إلَى غَايَةِ الْوُضُوءِ . وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا . فَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا . وَتَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْوُضُوءِ لَهَا ثَانِيًا .
3 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } .
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الْأَعْضَاءِ بِالْمُطَهِّرِ ، وَأَنْ تَرْكَ الْبَعْضِ مِنْهَا غَيْرُ مُجْزِئٍ . وَنَصُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْقَابِ . وَسَبَبُ التَّخْصِيصِ : أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ . وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ " . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ . وَالْمُرَادُ : الْأَعْقَابُ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُخَصَّ بِتِلْكَ الْأَعْقَابِ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ . وَتَكُونُ الْأَعْقَابُ الَّتِي صِفَتُهَا هَذِهِ الصِّفَةُ ، أَيْ الَّتِي لَا تُعَمَّمُ بِالْمُطَهِّرِ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ الْمُطْلَقِ . وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { رَآنَا وَنَحْنُ نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَقَالَ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْأَرْجُلِ غَيْرُ مُجْزِئٍ . وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِجَيِّدٍ . ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " أَنَّ الْأَعْقَابَ كَانَتْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ " وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ بِالِاتِّفَاقِ . وَاَلَّذِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُجْزِئٍ إنَّمَا اعْتَبَرُوا لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَطْ ، وَقَدْ رُتِّبَ فِيهَا الْوَعِيدُ عَلَى مُسَمَّى الْمَسْحِ . وَلَيْسَ فِيهَا تَرْكُ بَعْضِ الْعُضْوِ . وَالصَّوَابُ - إذَا جُمِعَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ - : أَنْ يَسْتَدِلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَيُجْمَعُ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ . فَبِهِ يَظْهَرُ الْمُرَادُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَيُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ " الْعَقِبَ " مَحَلٌّ لِلتَّطْهِيرِ ، فَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ يَكْتَفِي بِالتَّطْهِيرِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ .
4 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ } وَفِي لَفْظٍ { مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ } .
فِيهِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : " فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ " وَلَمْ يَقُلْ " مَاءً "(اعتقد انه ينقدح الماء في الذهن ولا ينقدح غيره هذا لوجردنا الحديث من لفظ الماء ) وَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي غَيْرِهَا وَتَرَكَهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
الثَّانِيَةُ : تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الِاسْتِنْشَاقِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ : عَدَمُ الْوُجُوبِ . وَحَمَلَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ ، بِدَلَالَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ { تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ } فَأَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ . وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ .
الثَّالِثَةُ : الْمَعْرُوفُ أَنَّ " الِاسْتِنْشَاقَ " جَذْبُ الْمَاءِ إلَى الْأَنْفِ . وَ " الِاسْتِنْثَارُ " دَفْعُهُ لِلْخُرُوجِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الِاسْتِنْثَارَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ الَّذِي هُوَ الْجَذْبُ وَأَخَذَهُ مِنْ النَّثْرَةِ ، وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ . وَالِاسْتِفْعَالُ مِنْهَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْجَذْبُ وَالدَّفْعُ مَعًا . وَالصَّحِيحُ : هُوَ الْأَوَّلُ .(وهو جذب الماء الى الانف ....) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ } الظَّاهِرُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ : اسْتِعْمَالُ الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَإِيتَارٌ فِيهَا بِالثَّلَاثِ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . فَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ أَمْرَانِ . أَحَدُهُمَا : إزَالَةُ الْعَيْنِ . وَالثَّانِي : اسْتِيفَاءُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ . لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيتَارِ بِالثَّلَاثِ . فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ . وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ النَّاسِ الِاسْتِجْمَارَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ لِلتَّطَيُّبِ . فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ : تَجَمَّرَ وَاسْتَجْمَرَ . فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ عَلَى هَذَا . وَالظَّاهِرُ : هُوَ الْأَوَّلُ ، أَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ : هُوَ اسْتِعْمَالُ الْأَحْجَارِ . (ولايجوز استخدام الروث وهو فضلة الحيوان وايضا لايجوز استخدام عظام الحيوانات )
الْخَامِسَةُ : ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ ، عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ . وَلَا يُفَرِّقُ هَؤُلَاءِ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ } وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ، دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ . لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ؟ } وَالْمَبِيتُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ . وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا . وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ . وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (وهو قول رسول الله الى الاعرابي توضا كما امرك الله ). وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَمْرَ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَهُ الْوُجُوبُ - إلَّا أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ لِقَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ ، وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ هَهُنَا . فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ . وَهُوَ قَوْلُهُ { فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ؟ } وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّكَّ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا فِي الْحُكْمِ ، إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمُسْتَصْحَبُ(الاستصحاب على ما فهمته هو تيقن الحالة السالبقة اي اذا كنت طاهرا وشككت في النجاسة مثلا فانك تبني على الطهارة واذ كنت نجسا وشككت في الطهارة فانك ايضا تبني على الحالة السابقة) عَلَى خِلَافِهِ مَوْجُودًا . وَالْأَصْلُ : الطَّهَارَةُ فِي الْيَدِ ، فَلْتُسْتَصْحَبْ [ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ ] . السَّادِسَةُ ، قِيلَ : إنَّ سَبَبَ هَذَا الْأَمْرِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ الْيَدُ عَلَى الْمَحِلِّ وَهُوَ عَرِقٌ ، فَتَنَجَّسَتْ . فَإِذَا وُضِعَتْ فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ : هُوَ مَا يَكُونُ فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُتَوَضَّأُ مِنْهَا . وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا الْقِلَّةُ . وَقِيلَ : إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ حَكِّ بَثْرَةٍ فِي جِسْمِهِ ، أَوْ مُصَادَفَةِ حَيَوَانٍ ذِي دَمٍ فَيَقْتُلُهُ ، فَيَتَعَلَّقُ دَمُهُ بِيَدِهِ . السَّابِعَةُ : الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ : اسْتَحَبُّوا غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا ، سَوَاءً قَامَ مِنْ النَّوْمِ أَمْ لَا . وَلَهُمْ فِيهِ مَأْخَذَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ : وَارِدٌ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِسَبْقِ نَوْمٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّلَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ - وَهُوَ جَوَلَان الْيَدِ مَوْجُودٌ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ . فَيَعُمُّ الْحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ . الثَّامِنَةُ : فَرَّقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ مَنْ فَرَّقَ مِنْهُمْ ، بَيْنَ حَالِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ . فَقَالُوا فِي الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : يُكْرَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا . وَفِي غَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا ، قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ . وَلْيُعْلَمْ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا " يُسْتَحَبُّ فِعْلُ كَذَا " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " يُكْرَهُ تَرْكُهُ " فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا . فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُسْتَحَبَّ الْفِعْلِ ، وَلَا يَكُونُ مَكْرُوهَ التَّرْكِ ، كَصَلَاةِ الضُّحَى مَثَلًا ، وَكَثِيرٍ مِنْ النَّوَافِلِ . فَغَسْلُهَا لِغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ ، قَبْلَ إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ : مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ . وَتَرْكُ غَسْلِهَا لِلْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ . وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ النَّهْيِ عَنْ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ . وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هِيَ الْأَظْهَرُ .
التَّاسِعَةُ : اُسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : الْفَرْقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ ، وَوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ . وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي : أَنَّ وُرُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ . وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا بِإِفْرَاغِ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِلتَّطْهِيرِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي : أَنَّ مُلَاقَاتَهَا لِلْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ ، وَإِلَّا لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّطْهِيرِ .
الْعَاشِرَةُ : اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ : أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَنْجَسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ . فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ ، لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَيَقُّنَهَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ ، وَإِلَّا لَمَا اقْتَضَى احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ الْمَنْعَ . وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي . ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ : أَنَّ وُرُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ ، وَمُطْلَقُ التَّأْثِيرِ أَعَمُّ مِنْ التَّأْثِيرِ بِالتَّنْجِيسِ . وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَعَمِّ ثُبُوتُ الْأَخَصِّ الْمُعَيَّنِ . فَإِذَا سَلَّمَ الْخَصْمُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَكُونُ مَكْرُوهًا ، فَقَدْ ثَبَتَ مُطْلَقُ التَّأْثِيرِ . فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ خُصُوصِ التَّأْثِيرِ بِالتَّنْجِيسِ . وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْكَرَاهَةَ ثَابِتَةٌ عِنْدَ التَّوَهُّمِ . فَلَا يَكُونُ أَثَرُ الْيَقِينِ هُوَ الْكَرَاهَةُ . وَيُجَابُ عَنْهُ : بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْيَقِينِ زِيَادَةٌ فِي رُتْبَةِ الْكَرَاهَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بيان بعض الصطلحات الواردة في هذا الدرس او الذي قبله ...
ينقسم الحكم الى خمسة اقسام
1_الواجب : وهو لزاما على الانسان ان ياديه (كالصلاة اليومية )
2_المندوب : وهو الذي يكون قريبا على الواجب وايضا فيه الزام ولاكنه ليس واجبا واذا فعله الانسان اجر واذا لم يفعله لاياثم (زيادة في الخير))
3_الحرام : وهو النهي الشديد مثلا (لاتشرب الخمر )
4_المكروهة : وهذا ايضا يكون قريب على الحرام لاكنه ليس بحرام وانما الفعل له يكون غير مرغوب فيه (كخلف الوعد )
5_ المباح : وهو الحرية في الاختيار (كاباحة شرب الماء او كاباحة اكل التفاح ووووو غيره الكثير من المباحات )
شرح كتاب احكام الاحكام
درسه شيخنا واستاذنا الشيخ ابو ايوب العراقي (دامت بركاته)
ملاحظة العبارات التي بين الاقواس هي ما فهمناه من جناب الشيخ وما فهمته بحمد لله
2_ الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ
صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ } .
الشرح
تعريف الراوي
" أَبُو هُرَيْرَةَ " فِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ . وَأَشْهُرُهُ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ . أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَلَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ . وَتُوُفِّيَ - قَالَ خَلِيفَةُ : سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ . وَقَالَ الْهَيْثَمُ : سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : سَنَةَ تِسْعٍ
(الكلام ادناه شرح لكلمة القبول الواردة في الحديث الشريف )
الْكَلَامُ عَلَيْهِ (اي على الحديث) مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : " الْقَبُولُ " وَتَفْسِيرُ مَعْنَاهُ . قَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ بِانْتِفَاءِ الْقَبُولِ(اي قبول الصلاة ) عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ(اي صحى الصلاة ) ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } أَيْ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ (وهو وقت خروج الدم للبنت ). وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْحَدِيثِ : الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ . وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْقَبُولِ(اي قبول الصلاة) دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ (اي صحة الصلاة ). وَقَدْ حَرَّرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذَا(اي القبول والصحة ) بَحْثًا . ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقَبُولِ قَدْ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ مَعَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ ، كَالْعَبْدِ إذَا أَبَقَ(هرب او عصي مولاه ) لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ ، وَكَمَا وَرَدَ فِيمَنْ أَتَى عَرَّافًا(العراف هو المشعوذ او المنجم ) . وَفِي شَارِبِ الْخَمْرِ (وهو شرب المسكر ). فَإِذَا أُرِيدَ تَقْرِيرُ الدَّلِيلِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مِنْ انْتِفَاءِ الْقَبُولِ . فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِ مَعْنَى الْقَبُولِ ، وَقَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ . يُقَالُ : قَبِلَ فُلَانٌ عُذْرَ فُلَانٍ : إذَا رَتَّبَ عَلَى عُذْرِهِ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ . وَهُوَ مَحْوُ الْجِنَايَةِ وَالذَّنْبِ . فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ(اي ثبت ماورد في تفسير معنى القبول ) فَيُقَالُ ، مَثَلًا فِي هَذَا الْمَكَانِ : الْغَرَضُ مِنْ الصَّلَاةِ : وُقُوعُهَا مُجْزِئَةً بِمُطَابَقَتِهَا لِلْأَمْرِ . فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْغَرَضُ (وهو وقوع الصلاة ): ثَبَتَ الْقَبُولُ (اي قبول الصلاة )، عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْسِيرِ . وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ . وَإِذَا انْتَفَى الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : انْتَفَتْ الصِّحَّةُ . وَرُبَّمَا قِيلَ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ : إنَّ " الْقَبُولَ " كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالدَّرَجَاتُ عَلَيْهَا . وَ " الْإِجْزَاءُ " كَوْنُهَا مُطَابِقَةً لِلْأَمْرِ وَالْمَعْنَيَانِ إذَا تَغَايَرَا ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَخَصُّ مِنْ الْآخَرِ : لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيِ الْأَعَمِّ . و " الْقَبُولُ " عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ : أَخَصُّ مِنْ الصِّحَّةِ ، (فَإِنَّ كُلَّ مَقْبُولٍ صَحِيحٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ صَحِيحٍ مَقْبُولًا )(قاعدة شرعية ). وَهَذَا - إنْ نَفَعَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ عَنْهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ ، كَمَا حَكَيْنَا عَنْ الْأَقْدَمِينَ . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْقَبُولِ مِنْ لَوَازِمِ الصِّحَّةِ . فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَتْ ، فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ . وَيُحْتَاجُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ عَنْهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ إلَى تَأْوِيلٍ ، أَوْ تَخْرِيجِ جَوَابٍ . عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ " الْقَبُولَ " بِكَوْنِ الْعِبَادَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا ، أَوْ مَرْضِيَّةً ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ : أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْي الْقَبُولِ نَفْي الصِّحَّةِ : أَنْ يُقَالَ : الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي : أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا أُتِيَ بِهَا مُطَابِقَةً لِلْأَمْرِ كَانَتْ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ وَالْإِجْزَاءِ . وَالظَّوَاهِرُ فِي ذَلِكَ لَا تَنْحَصِرُ .
....................................................................................................
الْوَجْهُ الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى : " الْحَدَثِ " فَقَدْ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ :
أَحَدُهَا : الْخَارِجُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (وهي البول والغائط والريح وغيرها ). وَيَقُولُونَ : الْأَحْدَاثُ كَذَا وَكَذَا . الثَّانِي: نَفْسُ خُرُوجِ ذَلِكَ الْخَارِج (اي البول والغائط والريح وغيرها تكون هي نفسها سببا للحدث )..(والفرق بين النقطة الاولى وهذه هو ان المحدث احدث بنفسه اي خرج من احد الاحداث اما الثاني فيكون نفس الخارج سببا في الحدث مثلا بالملامسة بيننا وبين الاحداث المذكورة )
الثَّالِثُ : الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْخُرُوجِ . وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ قَوْلُنَا " رَفَعْت الْحَدَثَ " وَ " نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ " فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَالْخُرُوجِ قَدْ وَقَعَ . وَمَا وَقَعَ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ ، بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ وَاقِعًا . وَأَمَّا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْخُرُوجِ : فَإِنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ بِهِ . وَمَدَّ غَايَتَهُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْمُكَلَّفِ الطَّهُورَ ، فَبِاسْتِعْمَالِهِ يَرْتَفِعُ الْمَنْعُ . فَيَصِحُّ قَوْلُنَا " رَفَعْت الْحَدَثَ " وَ " ارْتَفَعَ الْحَدَثُ " أَيْ ارْتَفَعَ الْمَنْعُ الَّذِي كَانَ مَمْدُودًا إلَى اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ . وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَقْوَى قَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ . ؛ لِأَنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَفِعَ : هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَخْصُوصَةِ ، وَذَلِكَ الْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ بِالتَّيَمُّمِ . فَالتَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ . غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ : أَنَّ رَفْعَهُ لِلْحَدَثِ مَخْصُوصٌ بِوَقْتٍ مَا(اي ان التيمم يرفع الحدث مؤقتا لحين توفر الماء فاذا توفر الماء وجب رفع الحدث بالماء ) ، أَوْ بِحَالَةٍ مَا . وَهِيَ عَدَمُ الْمَاءِ . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعٍ ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا . وَقَدْ كَانَ الْوُضُوءُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ ، عَلَى مَا حَكَوْهُ وَلَا نَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ . وَهُوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ . وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ انْتِهَائِهِ بِانْتِهَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ : أَنْ لَا يَكُونَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ . ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ . وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ ؛ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ : إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ . نَعَمْ هَهُنَا مَعْنًى رَابِعٌ ، يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ مُقَدَّرٌ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ . وَيُنْزِلُونَ ذَلِكَ الْحُكْمِيَّ مَنْزِلَةَ الْحِسِّيِّ فِي قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ . فَمَا نَقُولُ : إنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ - كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ - يُزِيلُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْحُكْمِيَّ . فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ الْحُكْمِيِّ . وَمَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ حُكْمًا بَاقٍ لَمْ يَزُلْ . وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ زَائِلٌ . فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَقُولُ : إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْحُكْمِيُّ الْمُقَدَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ زَائِلًا . وَحَاصِلُ هَذَا : أَنَّهُمْ أَبْدَوْا لِلْحَدَثِ مَعْنًى رَابِعًا ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَعَانِي . وَجَعَلُوهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ حُكْمًا ، كَالْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ ، وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الرَّابِعِ ، الَّذِي ادَّعَوْهُ مُقَدَّرًا قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ، فَإِنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالْحَقِيقَةِ ، وَالْأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهَا ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَأْتُوا بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ . وَأَقْرَبُ مَا يُذْكَرُ فِيهِ : أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ ، كَمَا يُقَالُ ، وَالْمَسْأَلَةُ مُتَنَازَعٌ فِيهَا . فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ . وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ : لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ انْتِقَالُ مَانِعٍ إلَيْهِ . فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ " الْحَدَثَ " عَامًّا فِيمَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ(اي فيما يوجب الغسل او الوضوءاو رفع الحدث بصورة عامة ) ، فَإِذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ - أَعْنِي قَوْلَهُ { إذَا أَحْدَثَ } - جَمَعَ أَنْوَاعَ النَّوَاقِضِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ ، لَكِنْ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ فَسَّرَ الْحَدَثَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ - لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ - بِأَخَصَّ مِنْ هَذَا الِاصْطِلَاحِ ، وَهُوَ الرِّيحُ ، إمَّا بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِ صَوْتٍ ، فَقِيلَ لَهُ : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا الْحَدَثُ ؟ فَقَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ " وَلَعَلَّهُ قَامَتْ لَهُ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ(القرائن الحالية:هي ادلة او مرجحات للادلة ) اقْتَضَتْ هَذَا التَّخْصِيصَ . الْوَجْهُ الرَّابِعُ : اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى الْقَبُولَ مُمْتَدًّا إلَى غَايَةِ الْوُضُوءِ . وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا . فَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا . وَتَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْوُضُوءِ لَهَا ثَانِيًا .
3 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } .
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الْأَعْضَاءِ بِالْمُطَهِّرِ ، وَأَنْ تَرْكَ الْبَعْضِ مِنْهَا غَيْرُ مُجْزِئٍ . وَنَصُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْقَابِ . وَسَبَبُ التَّخْصِيصِ : أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ . وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ " . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ . وَالْمُرَادُ : الْأَعْقَابُ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُخَصَّ بِتِلْكَ الْأَعْقَابِ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ . وَتَكُونُ الْأَعْقَابُ الَّتِي صِفَتُهَا هَذِهِ الصِّفَةُ ، أَيْ الَّتِي لَا تُعَمَّمُ بِالْمُطَهِّرِ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ الْمُطْلَقِ . وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { رَآنَا وَنَحْنُ نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَقَالَ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْأَرْجُلِ غَيْرُ مُجْزِئٍ . وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِجَيِّدٍ . ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " أَنَّ الْأَعْقَابَ كَانَتْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ " وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ بِالِاتِّفَاقِ . وَاَلَّذِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُجْزِئٍ إنَّمَا اعْتَبَرُوا لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَطْ ، وَقَدْ رُتِّبَ فِيهَا الْوَعِيدُ عَلَى مُسَمَّى الْمَسْحِ . وَلَيْسَ فِيهَا تَرْكُ بَعْضِ الْعُضْوِ . وَالصَّوَابُ - إذَا جُمِعَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ - : أَنْ يَسْتَدِلُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَيُجْمَعُ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ . فَبِهِ يَظْهَرُ الْمُرَادُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَيُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ " الْعَقِبَ " مَحَلٌّ لِلتَّطْهِيرِ ، فَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ يَكْتَفِي بِالتَّطْهِيرِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ .
4 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ } وَفِي لَفْظٍ { مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ } .
فِيهِ مَسَائِلُ : الْأُولَى : فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : " فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ " وَلَمْ يَقُلْ " مَاءً "(اعتقد انه ينقدح الماء في الذهن ولا ينقدح غيره هذا لوجردنا الحديث من لفظ الماء ) وَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي غَيْرِهَا وَتَرَكَهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
الثَّانِيَةُ : تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الِاسْتِنْشَاقِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ : عَدَمُ الْوُجُوبِ . وَحَمَلَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ ، بِدَلَالَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ { تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ } فَأَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ . وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ .
الثَّالِثَةُ : الْمَعْرُوفُ أَنَّ " الِاسْتِنْشَاقَ " جَذْبُ الْمَاءِ إلَى الْأَنْفِ . وَ " الِاسْتِنْثَارُ " دَفْعُهُ لِلْخُرُوجِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ الِاسْتِنْثَارَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ الَّذِي هُوَ الْجَذْبُ وَأَخَذَهُ مِنْ النَّثْرَةِ ، وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ . وَالِاسْتِفْعَالُ مِنْهَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْجَذْبُ وَالدَّفْعُ مَعًا . وَالصَّحِيحُ : هُوَ الْأَوَّلُ .(وهو جذب الماء الى الانف ....) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ } الظَّاهِرُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ : اسْتِعْمَالُ الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَإِيتَارٌ فِيهَا بِالثَّلَاثِ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . فَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ أَمْرَانِ . أَحَدُهُمَا : إزَالَةُ الْعَيْنِ . وَالثَّانِي : اسْتِيفَاءُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ . وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ . لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيتَارِ بِالثَّلَاثِ . فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ . وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ النَّاسِ الِاسْتِجْمَارَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ لِلتَّطَيُّبِ . فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ : تَجَمَّرَ وَاسْتَجْمَرَ . فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ عَلَى هَذَا . وَالظَّاهِرُ : هُوَ الْأَوَّلُ ، أَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ : هُوَ اسْتِعْمَالُ الْأَحْجَارِ . (ولايجوز استخدام الروث وهو فضلة الحيوان وايضا لايجوز استخدام عظام الحيوانات )
الْخَامِسَةُ : ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ ، عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ ، لِظَاهِرِ الْأَمْرِ . وَلَا يُفَرِّقُ هَؤُلَاءِ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ } وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ، دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ . لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ؟ } وَالْمَبِيتُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ . وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا . وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ . وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (وهو قول رسول الله الى الاعرابي توضا كما امرك الله ). وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَمْرَ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَهُ الْوُجُوبُ - إلَّا أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ لِقَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ ، وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ هَهُنَا . فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ . وَهُوَ قَوْلُهُ { فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ؟ } وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّكَّ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا فِي الْحُكْمِ ، إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمُسْتَصْحَبُ(الاستصحاب على ما فهمته هو تيقن الحالة السالبقة اي اذا كنت طاهرا وشككت في النجاسة مثلا فانك تبني على الطهارة واذ كنت نجسا وشككت في الطهارة فانك ايضا تبني على الحالة السابقة) عَلَى خِلَافِهِ مَوْجُودًا . وَالْأَصْلُ : الطَّهَارَةُ فِي الْيَدِ ، فَلْتُسْتَصْحَبْ [ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ ] . السَّادِسَةُ ، قِيلَ : إنَّ سَبَبَ هَذَا الْأَمْرِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ الْيَدُ عَلَى الْمَحِلِّ وَهُوَ عَرِقٌ ، فَتَنَجَّسَتْ . فَإِذَا وُضِعَتْ فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ : هُوَ مَا يَكُونُ فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُتَوَضَّأُ مِنْهَا . وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا الْقِلَّةُ . وَقِيلَ : إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ حَكِّ بَثْرَةٍ فِي جِسْمِهِ ، أَوْ مُصَادَفَةِ حَيَوَانٍ ذِي دَمٍ فَيَقْتُلُهُ ، فَيَتَعَلَّقُ دَمُهُ بِيَدِهِ . السَّابِعَةُ : الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ : اسْتَحَبُّوا غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا ، سَوَاءً قَامَ مِنْ النَّوْمِ أَمْ لَا . وَلَهُمْ فِيهِ مَأْخَذَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ : وَارِدٌ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِسَبْقِ نَوْمٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّلَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ - وَهُوَ جَوَلَان الْيَدِ مَوْجُودٌ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ . فَيَعُمُّ الْحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ . الثَّامِنَةُ : فَرَّقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ مَنْ فَرَّقَ مِنْهُمْ ، بَيْنَ حَالِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ . فَقَالُوا فِي الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : يُكْرَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا . وَفِي غَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا ، قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ . وَلْيُعْلَمْ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا " يُسْتَحَبُّ فِعْلُ كَذَا " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " يُكْرَهُ تَرْكُهُ " فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا . فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُسْتَحَبَّ الْفِعْلِ ، وَلَا يَكُونُ مَكْرُوهَ التَّرْكِ ، كَصَلَاةِ الضُّحَى مَثَلًا ، وَكَثِيرٍ مِنْ النَّوَافِلِ . فَغَسْلُهَا لِغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ ، قَبْلَ إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ : مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ . وَتَرْكُ غَسْلِهَا لِلْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ : مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ . وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ النَّهْيِ عَنْ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ . وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هِيَ الْأَظْهَرُ .
التَّاسِعَةُ : اُسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : الْفَرْقُ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ ، وَوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ . وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا ، لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي : أَنَّ وُرُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ . وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا بِإِفْرَاغِ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِلتَّطْهِيرِ . وَذَلِكَ يَقْتَضِي : أَنَّ مُلَاقَاتَهَا لِلْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ ، وَإِلَّا لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّطْهِيرِ .
الْعَاشِرَةُ : اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ : أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَنْجَسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ . فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ ، لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَيَقُّنَهَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ ، وَإِلَّا لَمَا اقْتَضَى احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ الْمَنْعَ . وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي . ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ : أَنَّ وُرُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ ، وَمُطْلَقُ التَّأْثِيرِ أَعَمُّ مِنْ التَّأْثِيرِ بِالتَّنْجِيسِ . وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَعَمِّ ثُبُوتُ الْأَخَصِّ الْمُعَيَّنِ . فَإِذَا سَلَّمَ الْخَصْمُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَكُونُ مَكْرُوهًا ، فَقَدْ ثَبَتَ مُطْلَقُ التَّأْثِيرِ . فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ خُصُوصِ التَّأْثِيرِ بِالتَّنْجِيسِ . وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْكَرَاهَةَ ثَابِتَةٌ عِنْدَ التَّوَهُّمِ . فَلَا يَكُونُ أَثَرُ الْيَقِينِ هُوَ الْكَرَاهَةُ . وَيُجَابُ عَنْهُ : بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْيَقِينِ زِيَادَةٌ فِي رُتْبَةِ الْكَرَاهَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بيان بعض الصطلحات الواردة في هذا الدرس او الذي قبله ...
ينقسم الحكم الى خمسة اقسام
1_الواجب : وهو لزاما على الانسان ان ياديه (كالصلاة اليومية )
2_المندوب : وهو الذي يكون قريبا على الواجب وايضا فيه الزام ولاكنه ليس واجبا واذا فعله الانسان اجر واذا لم يفعله لاياثم (زيادة في الخير))
3_الحرام : وهو النهي الشديد مثلا (لاتشرب الخمر )
4_المكروهة : وهذا ايضا يكون قريب على الحرام لاكنه ليس بحرام وانما الفعل له يكون غير مرغوب فيه (كخلف الوعد )
5_ المباح : وهو الحرية في الاختيار (كاباحة شرب الماء او كاباحة اكل التفاح ووووو غيره الكثير من المباحات )